المَجْلِسُ الخامس - وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ - تفسير سورة النور

من قوله تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ إلى آخر الآية 31 من سور النور

المَجْلِسُ الخامس - وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ - تفسير سورة النور

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا اله الا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم أما بعد فهذه هي الحلقة الخامسة من تفسير سورة النور وقد وقفنا عند قوله تعالى:

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)

فبعد أن أمر ربنا تبارك وتعالى المؤمنين بغض البصر  وألا ينظر الإنسان إلى ما لا يحل له، لأن البصر باب عظيم من أبواب الفتنة والوقوع في الفاحشة التي نهى الله تعالى عنها فأمر المؤمنات كذلك بغض أبصارهن وحفظ فروجهن.

 ثم قال تعالى (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) فالمرأة مأمورة أن تخفي زينتها؛ ألا تبدي زينتها، فهذا أمر من الله تعالى لنساء المؤمنات، وكل المرأة زينة، لأن الله تعالى زين النساء في أعين الرجال، وخلقهن خلقة فيها من آياته ما فيها حتى إن كل عضو في المرأة من شعر رأسها إلى أصبع قدمها فيه ما فيه من إغراء للرجال، فلذا فإن الله تعالى سمى ذلك كله زينة فقال (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) لتسد على الرجال باب الفتنة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء" متفق عليه.  فلأجل هذا أمر الله تعالى بهذا الأمر (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ).

 ثم من رحمته تبارك وتعالى أن استثنى فقال (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني إلا ما يظهر عادة مما فيه حرج على المرأة أن تخفيه؛ فيظهر من المرأة زينة خلقية -من الخلقة- وزينة مصطنعة، لأن زينة المرأة قسمان زينة في الخلقة وهو جسد المرأة ومفاتنها التي خلقها الله تبارك وتعالى عليها، وزينة مصطنعة مثل الكحل والخاتم والسوار والقلائد والقرط والخلخال. فقال تعالى (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني ما يظهر مما يشق على المرأة أن تخفيه من زينة خلقية كانت أو زينة مصطنعة فإنه يجوز لها أن تظهره، وهو خارج من قوله تعالى (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ).

 السلف ورد عنهم في تفسير قوله تعالى (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) ما يأتي:

 سعيد بن جُبير، عن ابن عباس: ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: الكحل والخاتم.....

الضحاك، عن ابن عباس، قال: الظاهر منها: الكحل والخدان...

سعيد بن جُبير، في قوله: ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: الوجه والكفّ...

عطاء في قول الله ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: الكفان والوجه…

قَتادة قال: الكحل، والسوران، والخاتم...، السواران أي الأسورة التي في يد المرأة.

معمر، عن قَتادة: ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: المسكتان والخاتم والكحل…، المسكتان أيضا بمعنى السواران.

مقصود السلف بهذا الكلام أن الوجه والكفين هو ما ظهر من المرأة وما كان عليهما من زينة تأبى المرأة أن تظهر بين أترابها إلا به، كامرأة معتادة على وضع الكحل وتأبى أن تظهر بين أترابها يعني صويحباتها من النساء ومحارمها إلا بالكحل، أو تتزين بالخاتم ودائما الخضاب في يديها ويشق عليها عند الخروج نزع هذا الذي اعتادته من زينة، فرخص الله تعالى في هذه الزينة الظاهرة، سواء في الخلقة وهي الوجه والكفين وما كان عليهما يعني من زينة مصطنعة ككحل وخاتم وسوار وخضاب.

نكمل أقوال السلف:

عن الزهري، عن رجل، عن المسور بن مخرمة، في قوله: ( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: القُلْبَين، والخاتم، والكحل، يعني السوار… القلبان أيضا السواران. 

عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس، قوله: ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: الخاتم والمسكة.

قال ابن جُرَيج، وقالت عائشة: القُلْبُ والفَتْخَة.. والفتخة خاتم ليس فيه فصوص.

قال ابن جُرَيج، وقال مجاهد قوله: ( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: الكحل والخضاب والخاتم......

عاصم، عن عامر-الشعبى-: ( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال الكحل، والخضاب، والثياب.....

ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) من الزينة: الكحل، والخضاب، والخاتم، هكذا كانوا يقولون وهذا يراه الناس......

عمر بن أبي سلمة، قال: سئل الأوزاعي عن ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: الكفين والوجه......

جُويبر، عن الضحاك في قوله: ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) قال الكفّ والوجه.....

يونس ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال الحسن البصري: الوجه والثياب......

قَتادة، عن الحسن، في قوله: ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: الوجه والثياب......

ابن جرير الطبري: 

  وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: عُني بذلك: الوجه والكفان، يدخل في ذلك إذا كان كذلك: الكحل، والخاتم، والسوار، والخضاب.....

مقصودي أن هذا القول هو أشهر الأقوال عن السلف، حتى أن ابن عبد البر لما حكى الخلاف الوارد عن السلف قال: اختلف العلماء في تأويل قول الله عز وجل ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، 

فروي عن ابن عباس وابن عمر إلا ما ظهر منها الوجه والكفان، وروي عن ابن مسعود (ما ظهر منها) الثياب قال لا يبدين قرطاً ولا قلادة ولا سواراً ولا خلخالا إلا ما ظهر من الثياب، واختلف التابعون فيها أيضاً على هذين القولين، وعلى قول ابن عباس وابن عمر الفقهاء.

عليه الفقهاء يعني عليه الفتوى سواء في مذهب المالكية أو غيرهم، أن ما ظهر منها هو الوجه والكفان. فمن رأت عسرا عليها في إخفاء الوجه والكفين فإن الله تعالى رخص للنساء في إبداء الوجه والكفين بل وما عليهما من زينة معتادة. 

(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ) لا بد أن نفهم مصطلحات القرآن على حقيقتها لا بمصطلحنا العصري، يعني في القرآن لفظ خمار ولفظ جلباب في سورة الأحزاب،  فيجب أن نفهمه على اصطلاح القرآن؛ الخمار في لغة العرب غطاء الرأس، فربنا قال غطاء الرأس هذا مطلوب من المرأة المسلمة أن تضرب به على جيبها (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ) يعني تلقي الخمار على عنقها بحيث أن يغطي الرقبة ويغطي الجيب، والجيب هو فتحة القميص، والباء في بِخُمُرِهِنَّ  للإلصاق.

أما التبرج وإظهار الزينة فقد نُهيت عنه النساء أيما نهي، فكما قلنا لهم أن من شاءت أن تظهر من الزينة الظاهرة الوجه والكفين فهذا قد رخص الله تعالى فيه وأكثر أقوال أهل العلم من لدن الصحابة إلى زمان الناس هذا على أن الوجه والكفين ليسا من العورة، وأن المرأة يجوز لها أن تبدي وجهها وكفيها أمام الأجانب،

 ومن وجد فتنة فليغض بصره، (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)

 لكن ننبه على أمرين:

الأمر الأول: نحض النساء على تغطية الوجوه، لأن هذا مستحب والله تعالى أنزل آية سورة الأحزاب في حق أمهات المؤمنين (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ) وقد جرت عادة النساء من زمان النبي عليه الصلاة والسلام إلى زماننا الاقتداء بأمهات المؤمنين في هذه الفضيلة وهي تغطية الوجه، ويأتي معنا في آية سورة الأحزاب أيضا أن هذا من الفضائل، فلا يقال النقاب ليس من الإسلام والنقاب عادة جاهلية ونمنع النقاب في المدارس والجامعات ونحو هذا، طبعا هذا منكر عظيم لأن هذا من دين الله تعالى وشرعه، وأمهات المؤمنين أمرن بهذا والنساء المؤمنات اقتدين بهن، والنبي عليه الصلاة والسلام قال كما في البخاري "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" لكن غير المحرمة لها أن تنتقب ولها أن تلبس القفازين وأن تغطي وجهها وكفيها بل هذا أحسن وأفضل، لكن لا نلزم النساء بهذا، فالمرأة أدرى بنفسها؛ أدرى بما يعسر عليها وبما يسهل عليها، فهذا الأمر يرجع إليها، حتى لا يجوز للزوج أن يلزمها بغطاء الوجه لأن الله تعالى قد رخص في هذا.

 لكن تبرج النساء وإظهار الزينة ينبغي أن تتنبه النساء أنه من الكبائر، النبي عليه الصلاة والسلام قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما" وذكر من هذين الصنفين "ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا" والمرأة الكاسية العارية هي التي لم تخفِ كل الزينة، يعني أظهرت شيئا من شعرها؛ شيئا من ذراعيها؛ شيئا من رجليها أو ساقيها؛ أو أبدت الزينة بأن لبست ضيقا من الثياب أبدى تلك المفاتن، فهي داخلة في هذا الوعيد لأنها كاسية عارية، قال الذهبي في كتابه الكبائر "فمن الأفعال التي تُلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب؛ (ده هو بيتكلم عن امرأة منتقبة وليس عن امرأة سافرة، يقول لو تعمدت إظهار الزينة فإن هذا من الكبائر)؛ وتطيبها بالمسك والعنبر ونحو ذلك ولبسها الصياغات والأُزر والحرير  والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها إلى غير ذلك إذا خرجت؛ وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة"،

 فالمقصود أن من الأئمة كُثُر من نصوا على أن المرأة إذا تعمدت إظهار الزينة التي لم يرخص الله تعالى في إظهارها فإن هذا من الكبائر، حتى أن الذهبي ذكر موضة النساء في توسيع كم القميص فإذا رفعت يدها تبدو زينتها، يقول كل هذا -هو يتكلم عن امرأة متسترة- فما بالك بامرأة سافرة أبدت محاسنها وتفننت في إبراز زينتها أمام الناس فهذا لا شك مما يبغضه الله تعالى ويمقت على فاعلته.

ومشكلة التبرج أنه معصية متكررة، كلما خرجت المتبرجة أتت تلك المعصية، والمعصية لما تتكرر لا شك تنكت في القلب نُكتا سوداء؛ يعني تترك أثرا عظيما في إيمان صاحبتها.

وأيضا من مشكلة تبرج النساء أنه مجاهرة بالمعصية، لأنها معصية ظاهرة أمام الناس؛ والنبي عليه الصلاة والسلام يقول "كل أمتي معافى إلا المجاهرين" الذين يجاهرون بالمعصية. 

فالمتبرجة حقيقة وقعت في آثام عظيمة فضلا عن أنها فتنة لغيرها "ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء" فهي تفتن كثيرا من الرجال.

ومشكلة التبرج أيضا أنه ينزع الحياء من صاحبته؛ النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر شعب الإيمان قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان" فالرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أعلى شعبة وأدنى شعبة وبينهما واحد وسبعون شعبة خص منها شعبة الحياء بالذكر وأنها شعبة من الإيمان، وهذا يبين أهمية هذه الشعبة، لذا قال ابن عمر رضي الله عنهما الحياء والإيمان قُرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى (يعني الأنبياء كانوا يورثون هذه الأقوال لأقوامهم) إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، فالحياء مما فرض الله تعالى وفطر عليه العباد. 

(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ) في البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول ، لما أنزل الله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) شققن مروطهن فاختمرن به"، وفي رواية "فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها"،

 في رواية أخرى في خارج الصحيح تقول عائشة رضي الله عنها "ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا بكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل لقد أنزلت سورة النور وليضربن بخمرهن على جيوبهن فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله فيها ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان" أي خلف النبي عليه الصلاة والسلام، المقصود أن نساء المؤمنات الأول لم يظهر منهن الجدال ولا تأخير العمل من إحداهن حتى تقتنع، لأن كلام الله تعالى حق وصدق وعدل ليس فيه جور ولا حيف. 

(وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ…) هنا ربنا ذكر المحارم، 

وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)  زينتهن الأولى كل الزينة؛ خلقية ومصطنعة، أما هنا؛ الزينة الثانية أي مواضع الزينة مثل القلادة والأساور في اليد والخلخال في الرجل، هذه المواضع بما فيها من زينة يجوز أن تبدو للمحارم، فالمرأة أمام أبيها وأبنائها تبدو مثلا عنقها وأعلى الصدر موضع القلادة بالحلق حتى بشعرها وتبدي إلى نصف الذراع مثلا للمهنة وشيء من الساق موضع الخلخال، فمن هم هؤلاء المحارم؟ 

(إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) الأزواج طبعا ينظرون إلى هذا ولهم أن ينظروا الى ما شاؤوا بعد ذلك.

 (أَوْ آبَائِهِنَّ) الأب طبعا محرم. 

(أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) من نسميه عرفا حماها وهو أبو الزوج. 

(أَوْ أَبْنَائِهِنَّ) الأبناء من المحارم.

(أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) لو هي تزوجت رجلا عنده أبناء يصيرون من المحارم.

 (أَوْ إِخْوَانِهِنَّ) إخوة المرأة لا شك من محارمها. 

(أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ) فهي عمتهم.

 (أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ) فهي خالتهم.

هؤلاء -دون الزوج- سبعة، الآباء والأبناء وآباء الأزواج وأبناء الأزواج والإخوة وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات.

 لماذا لم يذكر ربنا تبارك وتعالى العم والخال وهما من المحارم؟ في أقوال كثيرة للعلماء فبعضهم قال لأنهم داخلين في قوله تعالى (أَوْ آبَائِهِنَّ) 

نحن نقول في أمثالنا: الخال والد

  وفي الحديث الشريف(الخالة بمنزلة الأم)،

 والعم جاء في القرآن تسميته أباً كما في قوله تعالى: {نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ .. }، وقيل لما نص الله تعالى على أبناء الأخوة وأبناء الأخوات وهي عمتهم أو خالتهم فعرف أن العم والخال أيضا ممن دخل في المحارم. وأعمام الأب أعمام للمرأة وأخوال الأب أخوال للمرأة ، وكذلك أعمام أمها وأخوال أمها.

 ومن المحارم أيضا مثل هؤلاء من الرضاعة، لأن الرضاعة تحرّم ما تحرم الولادة، فالأب بسبب الرضاعة والأبناء من الرضاعة والأخوة من الرضاعة وأبناء الإخوة من الرضاعة وأبناء الأخوات من الرضاعة والعم بسبب الرضاعة والخال بسبب الرضاعة كل هؤلاء من المحارم.

البعض قد يستغرب أب بسبب الرضاع وعم بسبب الرضاعة،

 عَن عائشةَ قالت: دخلَ عليَّ أفلحُ بنُ أبي القُعَيْسِ فاستَترتُ منهُ قالَ: تَستتِرينَ منِّي وأَنا عمُّكِ، قالَت: قلتُ: مِن أينَ ؟ قالَ: أرضعتْكِ امرأةُ أخي قالت: إنَّما أرضعَتني المرأةُ ولم يُرضِعني الرَّجلُ، فدخلَ عليَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فحدَّثتُهُ، فقالَ: "إنَّهُ عمُّكِ فليلِجْ علَيكِ"، لأن السبب في لبن المرأة المرضعة هو الأب ويسمى صاحب اللبن ويكون أبا بسبب الرضاع وأخوه يكون عمًّا بسبب الرضاعة وهكذا، فالرضاعة تحرم ما تحرم الولادة. 

والمصاهرة أيضا ينتج عنها محارم، أبو الزوج وابن الزوج، وزوج البنت وزوج الأم.

الخلاصة؛ محارم المرأة:

من النسب سبعة: 

  1. الأب 
  2. والأبناء
  3. والإخوة 
  4. وأبناء الإخوة 
  5. وأبناء الأخوات 
  6. والعم 
  7. والخال.

ومثلهم من الرضاعة: 

  1. الأب بسبب الرضاعة 
  2. والأبناء من الرضاعة 
  3. والأخوة من الرضاعة 
  4. وأبناء الإخوة من الرضاعة 
  5. وأبناء الأخوات من الرضاعة 
  6. والعم بسبب الرضاعة 
  7. والخال بسبب الرضاعة.

وأربعة من المصاهرة: 

  1. أبو الزوج 
  2. وابن الزوج، 
  3. وزوج البنت 
  4. وزوج الأم إن دخل بها.

(أَوْ نِسَائِهِنَّ) أي المسلمات عند جمهور أهل العلم، يعني المرأة تبدي للنساء المسلمات ما تبدي للمحارم من الزينة، لكن لو كانت المرأة هذه الأجنبية عنها غير مسلمة يهودية أو نصرانية أو مشركة فلا يجوز لها أن تبدي لها إلا ما ظهر منها؛ مثلهم مثل الرجال غير المحارم بالضبط؛ الوجه والكفين فقط، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة؛ أبي حنيفة ومالك والشافعي، أما الإمام أحمد فمذهبه كل النساء وقال أن الضمير في الآية للإتباع.

(أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) يجوز للمرأة أن تبدي زينتها أمام من ملكت يمينها من العبيد، طبعا الإماء يدخلن في قوله تعالى (أَوْ نِسَائِهِنَّ) لو كن مسلمات، ويدخلن في قوله تعالى (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) لو كن غير مسلمات، أما العبيد ممن تحت يديها من ملك اليمين وهم الرقيق فيجوز لها أن تبدي لهذا الرقيق -عبدها- ما تبدي للمحارم، ربما لا تتخيل هذا لأنك لا تتخيل معنى رقيق أصلا. لما استأذن بعض العبيد على عائشة رضي الله عنها فقالت كم بقي لك من مكاتبتك -ستأتي إن شاء الله أحكام المكاتبة- فقال كذا فقالت ادخل فإنك عبد ما بقي عليك درهم، تعني أعاملك معاملة العبيد، وفي السنن أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أعطى فاطمة غلاما يخدمها من الرقيق فكان عليها ثوب إذا سترت رأسها بدت قدماها وإذا سترت قدميها بدا رأسها فالنبي عليه الصلاة والسلام خفف عنها قال إنما هو أبوك وغلامك.

 (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ) يعني غير أولي الحاجة؛ من ليس لهم شهوة في النساء، هؤلاء لو من أتباع البيت من الحمقى ويدخل البيت ليأكل عندك فهذا يجوز للمرأة أن تبدو أمامه ببعض الزينة، لأنه تابع ومن غير أولي الإربة، أما لو ظهرت عليه علامات الشهوة وأصبح يشتهي النساء وعرف الجميلة من غيرها وميّز مفاتن النساء ونحو هذا فمثله يمنع من الدخول على النساء، في الصحيح من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة; أن مخنثا كان يدخل على أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أرى هذا يعلم ما هاهنا ، لا يدخلن عليكن ". وبعض المفسرين وهم كثر قاسوا على التابعين الشيخ الهرم.

(أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) أيضا ممن لا حرج عليه أن يطلع على الزينة التي ذكرناها الطفل الذي ليس له ظهور على عورات النساء، لم يظهر يعني لم يطلع؛ يعني العورة عنده كغيرها لم يفرق، وقيل (لم يظهر) من الغلبة وليس الظهور بمعنى الاطلاع؛ الظهور بمعنى الغلبة، يعني ليس عنده قوة على إتيان النساء، فهذا الطفل يجوز أن تبدو أمامه ببعض الزينة، لكن لو كان مراهقا حتى لو لم يبلغ الحلم ولكن ميّز بين ما يشتهى من النساء وما لا يشتهى فإنها تحتجب منه، وعلى هذا نص الشافعي رحمه الله.

(وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) هذه الآية فيها من الإيجاز وجوامع الكلم لأنها حوت أحكاما كثيرة، المرأة خرجت متسترة لكن الخلخال تضرب برجليها بطريقة معينة إذا مرت على الرجال لتلفت أنظارهم، فلما كان النهي عن إبداء الزينة لمنع الفتنة وصرف أنظار الرجال عن النساء وحتى لا تكون أداة فساد في المجتمع والأحكام الشرعية قائمة على العلل فلا يجوز للمرأة أن تعمل حركة معينة أو تتكلم بطريقة معينة أو تمشي بطريقة معينة يكون فيها فتنة للرجال، ويدخل في هذا مثلا التكسر في المشي والخضوع بالقول والتغنج والطيب الفواح الذي يفتن الرجال؛ "أيُّما امرأةٍ استعطَرَت فمرَّت علَى قومٍ ليجِدوا من ريحِها ؛ فَهيَ زانيةٌ" لأنها فتنت الرجال بتلك الريح العبيق الذي وضعته، فكل هذا يدخل في قوله تعالى (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ).

 (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأمور التي ذكرت من عدم غض البصر والتبرج وإظهار الزينة تحتاج كلها إلى توبة، لو واقع المسلم منها ما واقع فالحل (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فالله -عز وجل- يدعونا جميعا إلى التوبة، من أطلق بصره ووقع في هذا الزنا زنا العينين أو زنا الأذنين أو زنا الكلام واللمس والخطى، فربنا يأمرنا بالتوبة، وللأسف بعض المسلمين من اعتيادهم للمعصية واستخفافهم بأمر الله تعالى أصبحت المعصية كأنها ملكة، يعني تجد مكان استقبال مثلا وفيه شاشة يُعرض عليها صور عاريات وأفلام ومسلسلات وأغاني وكليبات ونحو هذا، تبجح على معصية الله حتى بغير شهوة.

الإنسان لو وقع في المعصية عن شهوة فهذا متصور وهو يعلم فيتوب ويرجع؛ تغلبه شهوته مرة وهو يغلب شهوته مرة ويتوب، لكن لو وقع عن ملكة وأصبحت المعصية ملكة وعادة فمتى يتوب إلى الله تبارك وتعالى إذا اعتاد المعصية، والمرأة التي اعتادت التبرج والسفور فلا تخرج إلا بكامل الزينة، ولا نريد أن نصف زينة النساء لأن إشارات القرآن واضحة؛ (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)  (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) فلباس المرأة يجب أن يكون ساترا، في آية الأحزاب (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) الجلباب لباس تلبسه المرأة فوق الخمار؛ فوق ثيابها؛ أنت تجد في كتب الفقه مثلا تصلي المرأة في درع وخمار الدرع قميص سابغ يستر حتى قدميها والخمار غطاء الرأس، هذا هو الواجب علي المرأة في صلاتها إذا كانت في بيتها في غير حضرة الأجانب، أما إذا بدت للاجانب من الرجال لغير المحارم وخرجت من بيتها فالله عز وجل يأمرها فوق الدرع والخمار بالجلباب فهو لباس فوق اللباس ينزل من رأسها على كتفيها يستر عظام كتفيها، ومعنى الإدناء؛ السلف قالوا فيه أقوالا كثيرة، وما توصلت له من أقوالهم أن الإدناء درجات، منهم من قال تضع على الجبين، على الحاجبين، تغطي نصف وجهها، تغطي وجهها إلا عينيها، تغطي وجهها إلا عينا واحدة، فالإدناء درجات، وكل واحدة  تجتهد فيما ما استطاعت، وهذه الدرجات مستحبة، الجلباب فوق الخمار واجب وإدناؤه واجب لكن درجات الإدناء مستحبة لذلك تجد السلف قالوا أقوالا كثيرة في الإدناء.

مسألة: حكم البنطلون: نقول ربنا أمر فوق الخمار -غطاء الرأس- بجلباب سابغ كي لا تبدو الأعضاء، فالبنطلون حتى لو واسع فليس من لباس المسلمات  والمرأة إذا تحركت أو جلست ونحو هذا فلا شك أن البنطلون على الأقل يجسم الفخذين، إن لم يكن مجسما للساقين فليس من لباس المسلمات، ممكن نتكلم في البنطال في صورة واحدة أن امرأة لبست قميصا سابغا إلى أنصاف الساقين أو ما بعد ذلك ولبست تحت ذلك يعني كملت ببنطال واسع، هذه الصورة فقط ممكن نتجاوز عنها، وحتى بعض أهل العلم منع من تلك الصورة، لكن إنصافا للمرأة كي لا نضيق عليهن هذه الصورة الذي يظهر لنا جوازها.

ونكرر أن من شروط ثياب المرأة أن يكون ساترا لكل البدن إلا الوجه والكفين، وأن يكون فضفاضا لا يجسم، وألا يصف، وأن يكون سابغا لا يشف، وألا يشبه لباس الكافرات، وألا يشبه لباس الرجال، وألا يكون زينة في نفسه، وألا يكون مطيبا -والطيب فيه تفصيل لعلنا نرجع إليه-.

فائدة في الآيتين 30 و31 أن الله وجه الخطاب فيها للنبي عليه الصلاة والسلام وقال له (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ) (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ) بخلاف مثلا قوله تعالى (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ربنا توجه بالخطاب مباشرة إلى المؤمنين، كأن الله تعالى ينبهنا أن هذه الأحكام أحكام ينبغي أن يعلِّمها الآباء لأبنائهم يعني إذا كان النبي عليه الصلاه والسلام هو أبٌ لهذه الأمة كما قال عليه الصلاة والسلام: "إنَّما أنا لكم بمَنزِلةِ الوالِدِ، أُعلِّمُكم" فكذلك كل الأباء، فلا تنتظر ابنتك تتعلم تلك الأحكام من المدرسة ولا من الإعلام والتلفزيون وصويحباتها؛ 

 لا علم أبناءك وبناتك تلك الأحكام. أيضا في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقول للمؤمنات يعملن كذا وكذا، فنحن أيضا مطلوب منا كآباء أن نعلم بناتنا وأن نشدد عليهن في هذا الأمر ونعلمهن برفق ولين في أول الأمر، ونبلغ أحكام الله تعالى ونبين لهم.

 وصل اللهم على محمد والحمد لله رب العالمين سبحانك اللهم وبحمدك نشهد ألا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.