تفسير سورة لقمان - كامل
النور في تفسير النور
سُورَةُ لُقۡمَانَ - المجلس الأول
27 من ذي الحجة 1445 هـ
الحمد لله الذي نَزَّلَ الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل، فالله أكبر كبيرًا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد؛ فهذا هو المجلس الأول من تفسير سورة لقمان.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
(الٓمٓ ١ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ ٢ هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّلۡمُحۡسِنِينَ ٣ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥) [لقمان:5:1].
الكلام على الاستعاذة:
(أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
الاستعاذة استجارةٌ والتجاء واحتماء بالله تَعَالَى من الشيطان، إذا استفتحنا القراءة أمرنا ربنا: (فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ) [النحل:98]، فالاستعاذة مأمور بها عند القراءة، وهذا الأمر عند جماهير أهل العلم للاستحباب؛ يعني: يُستحب لقارئ القرآن أن يستعيذ بالله تَعَالَى من الشيطان الرجيم قبل أن يبدأ القراءة، وأصحُّ الصيغِ الواردة عن النبي O في الاستعاذة هي الصيغةُ المشهورة: (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
(أَعُوذُ)؛ تعني: ألتجئ أو أستجير أو أحتمي، العرب كانوا يقولون: أطيب اللحم عُوَّذُه؛ يعني: ما عاذ بالعظم، أي: كما نقول اليوم: (لزقة اللوح)، فأطيب اللحم ما عاذ بالعظم؛ أي: التجأ بالعظم واستجار به والتصق به، فأنت إذا قلت: أعوذ بالله؛ يعني: ألتجئ إلى الله وأستجير به وألتصق بجنابه الكريم أن يجيرني من الشيطان الرجيم، فلا يكون للشيطان وسواس عليك وأنت تقرأ القرآن.
قالوا أيضًا في أقوال العرب في الاستعاذة -في الفعل عاذ- قالوا: ناقة عائذ؛ عاذ بها ولدها، الناقة والأنثى عمومًا من النَّعَم إذا وضعت فأول أسبوع لها بعد الولادة كانوا يسمونها عائذ، اسم الفاعل هنا بمعنى اسم المفعول، عائذ؛ لأن ابنها في هذا الأوان ملتصق بها، فهذا معنى الاستعاذة: أن تلجأ إلى الله؛ أن تحتمي به؛ أن تلتصق برحمته F أن يطرد عنك الشيطان.
(الشَّيْطَانِ)؛ اشتقاقه من: شطن أم من: شاط؟ من شطن، والشطن هو البعد، لكن شاط من الاشتعال، فالصحيح أنه مشتق من شطن إذا بعُد؛ قال أمية بن أبي الصلت وهو يصف الشياطين التي سخرها الله لسليمان S:
أَيُّمَا شَاطِنٍ عَصَاهُ عَكَاهُ ::: ثُمَّ يُلْقَى فِي السِّجْنِ وَالْأَكْبَالِ
قال: أيما شاطن؛ من شطن، ولو كان من شاط يشيط؛ لقال: أيما شائط، ولكنه قال: أيما شاطن؛ لأنه من شطن يشطن، فهو شاطن.
ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان:
نَأَتْ بِسُعَادَ عَنْكَ نَوًى شَطُونُ ::: فَبَانَتْ وَالْفُؤَادُ بِهَا رَهِينُ
نأت سعاد؛ يعني: ابتعدت، نوى شطون؛ يعني: نوى بعيدة.
فالشيطان مشتق من البعد؛ لأنه بعيد عن رحمة الله تَعَالَى، طرده الله تَعَالَى من رحمته، (قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٞ ٧٧ وَإِنَّ عَلَيۡكَ لَعۡنَتِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ٧٨) [ص:78:77]؛ لذلك فإن العرب سموا كل متمرد بعيد الأخلاق عن جنسه شيطانا، والنبي O قال في الحديث الشريف: (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ؛ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ، قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ H كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ)([1])، ليس المقصود أنه شيطان من الجن، هو كلب، لكنه متمرد عن جنسه، فهو بالنسبة للكلاب شيطان.
وبالإسناد الصحيح عن سيدنا عمر I: "أَنَّهُ رَكِبَ بِرْذَوْنًا، فَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بِهِ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ فَلَا يَزْدَادُ إِلَّا تَبَخْتُرًا، فَنَزَلَ عَنْهُ، وَقَالَ: مَا حَمَلْتُمُونِي إِلَّا عَلَى شَيْطَانٍ، مَا نَزَلْتُ عَنْهُ حَتَّى أَنْكَرْتُ نَفْسِي"([2])، يقصد شيطان؛ بالنسبة لجنس الدواب، لا يقصد شيطان؛ من الجن. فعند القراءة نستعيذ بالله من الشيطان الذي هو بعيد عن رحمة الله تَعَالَى؛ من وساوسه أن يتسلط علينا.
(الرَّجِيمِ): من الفعل رجم، على وزن فعيل، وفعيل صيغة مبالغة، تأتي في لغة العرب بمعنى الفاعل أحيانًا، وبمعنى المفعول أحيانًا، فمثلا: رحيم بمعنى راحم أم مرحوم؟ بمعنى راحم، عليم بمعنى عالم، سميع بمعنى سامع، لكن إذا قلتُ لك: كفٌّ خَضيب؛ يعني: مخضوب، على وزن مفعول، وقتيل يعني مقتول، ففعيل في اللغة على المعنيين، أحيانًا تأتي بمعنى اسم الفاعل للمبالغة، وأحيانًا تأتي بمعنى اسم المفعول للمبالغة أيضًا.
هي هنا رجيم من الرجم، بمعنى راجم أم بمعنى مرجوم؟ بمعنى مرجوم؛ لأنه طُرِد من رحمة الله، والرجم أحيانًا يكون بالكلام، وأحيانًا يكون بالحجارة، لما يقال: فلان رجمها بالزنا؛ يعني: قذفها بالزنا، ومن الرجم بالقول؛ قول أبي إبراهيم لإبراهيم S: (لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ) [مريم:46]، فالشيطان مرجوم؛ لأنه لعن وطرد من رحمة الله تَعَالَى، فأبعده الله تَعَالَى، فنحن نستعيذ بالله منه.
وقد شرع الله تَعَالَى لنا الاستعاذة عند وسوسة الشيطان عمومًا؛ (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ) [الأعراف:200]، (وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ ٩٧ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحۡضُرُونِ ٩٨) [المؤمنون:98:97]، والنبي O لما رأى رجلًا تملكه الغضب فقال: (إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ ذَهَبَ مِنْهُ مَا يَجِدُ)([3]).
الكلام على البسملة:
(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ).
البسملة نبتدئ بها سور القرآن جميعًا إلا سورة التوبة؛ سورة براءة، واختلف العلماء هل هي آية مستقلة من القرآن، أم بعض آية من كل سورة، أم آية من سورة الفاتحة فقط دون بقية السور؟ والذي نختاره أن البسملة آية مستقلة من القرآن أنزلت للفصل بين السور أو لافتتاح السور، وليست آية من كل سورة، وهي بعض آية من سورة النمل؛ (إِنَّهُۥ مِن سُلَيۡمَٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ) [النمل:30].
والحديث الصحيح الوارد عن النبي O أنه كان لا يجهر بالبسملة في الصلاة، وكذلك أبو بكر وعمر، وعليه عمل أهل المدينة في المسجد النبوي إلى زمان الإمام مالك، حتى إلى زمان الناس هذا، فلم يكن من هديه O الجهر بالبسملة؛ لأنها ليست آية من الفاتحة، الفاتحة أول آية فيها: (ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ)، وهي سبع آيات، لكن تقسم: (صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ)؛ آية، (غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ)؛ آية أخرى.
وعلى العموم؛ المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن اختار قولًا غير هذا بالأدلة؛ فله ما اختاره، لكن نحن نقول هذا الكلام؛ لأن بعض الناس ينكر على الأئمة عدم الجهر بالبسملة، ويحتج بأنها آية من الفاتحة، نقول له: آية أو غير آية، الوارد عن النبي O في أكثر أحيانه الإسرار، فالسنة الإسرار بها، وإن كنت أنت تقول: إنها آية من الفاتحة؛ فنحن نقول: إنها ليست آية من الفاتحة، ولو أن الإمام افتتح القراءة بالحمد ولم يبسمل فصلاته صحيحة؛ لأنه قرأ الفاتحة كاملة.
وأيضا الأئمة الذين يجهرون بالبسملة لا ننكر عليهم؛ لأن هذا ورد عن بعض الصحابة كأبي هريرة وغيره أنهم جهروا بالبسملة، لكن الذي يظهر لنا من الأحاديث الواردة عن النبي O أن السنة الإسرار بها، والذي يظهر لنا أنها ليست آية من الفاتحة، بل هي آية من القرآن مستقلة نزلت للفصل بين السور.
(بِسۡمِ ٱللَّهِ): جار ومجرور، والجار والمجرور لابد أن يتعلق بشيء حتى يفيد معنى، فـ(بِسۡمِ ٱللَّهِ): متعلق بفعل أو اسم محذوف؛ تقديره: أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم؛ بدليل قوله تَعَالَى في أول آية في القرآن: (ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ) [العلق:1]، فأنت تقول: أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فهي تعلقت بفعل محذوف تقديره على حسب السياق، يعني: لو قلتها قبل الأكل؛ يكون التقدير: آكل بسم الله، ولو تذبح وقلت: بسم الله؛ يكون تقدير الكلام: أذبح بسم الله، وهكذا، فهي في القرآن تعلقت بفعل وهو أقرأ؛ أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، والمعنى: أبتدئ قراءتي أو عملي عمومًا بتسمية الله وذكره، فليصحبنا هذا الاسم في بقية عملي.
الباء هنا للمصاحبة، وأخطأ من يقول للاستعانة، الباء هنا للمصاحبة؛ أي: يصاحبني اسم الله تَعَالَى في هذا العمل، أقرأ بتسمية الله حتى يصاحبني اسم الله تَعَالَى في قراءتي، فتتنزل البركات، آكل وأبدأ أكلي بتسمية الله وذكر اسمه على الطعام؛ حتى تنزل البركة في الطعام؛ حتى لا يصاحبني الشيطان في طعامي، إنما يصرف الله تَعَالَى عني الشيطان؛ لذلك من نسي؛ يقول: بسم الله أوله وآخره، فالباء هنا للمصاحبة، أقرأ بتسمية الله وذكره؛ أي: يصاحبني اسم الله تَعَالَى في قراءتي، وهكذا في كل عمل.
(ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ): اسمان مشتقان من الرحمة، على وزن فعلان وعلى وزن فعيل، وكلاهما يدل على المبالغة، اصطفى الله من أسمائه الحسنى اسمين يدلان على المبالغة في الرحمة عند قراءة القرآن ونزول الوحي، فهذا الوحي نزل بالرحمة على العباد، ونؤجل الكلام في الفرق بينهما عند الكلام على سورة الفاتحة.
من اللطائف أن الصحابة لما رسموا البسملة أسقطوا الألف؛ (بِسۡمِ ٱللَّهِ): تكتب بغير ألف استغناء عنها بباء طويلة في الخط لكثرة الاستعمال، بخلاف قوله: (ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ) [العلق:1]، فإنها لم تحذف لقلة الاستعمال.
الكلام على الحروف المقطعة:
(الٓمٓ ١) [لقمان:1].
سورة لقمان من السور المكية، يسميها المفسرون من اللواميم المكية، اللواميم هي السور التي افتتحت بـ(الٓمٓ)، منها المدني؛ كالبقرة وآل عمران، ومنها لواميم مكية، أربع سور متتالية في المصحف؛ العنكبوت والروم ولقمان والسجدة.
(الٓمٓ): القول الأول فيها أنها فواتح افتتح الله بها القرآن؛ قال مجاهد: "(الٓمٓ): فَوَاتِحُ يَفْتَحُ اللَّهُ بِهَا الْقُرْآنَ"([4])، وقال: "(الٓمٓ)، وَ(حمٓ)، وَ(الٓمٓصٓ)، وَ(صٓۚ): فَوَاتِحُ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهَا"([5])، أي: أن الله تَعَالَى ابتدأ بعض السور بتلك الحروف -نسميها الحروف المقطعة- ليفتح لذلك أسماع المشركين؛ لأنهم تواصوا بالإعراض عن القرآن، (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسۡمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡاْ فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ) [فصلت:26]، فإذا قرأت على العربى: (حمٓ)، (الٓمٓ)؛ فأنت تجذب انتباهه، ثم بعد ذلك تفصل له.
القول الثاني أنها أسماء للسور؛ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سأل أباه زيد بن أسلم عن قول الله D: (الٓمٓرۚ)، فقال له: إنما هي أسماء السور، يقصد أن النبي O استعمل تلك الحروف المقطعة في تسمية السور، فسمى سورة ق بـ(ق)، وسورة القلم سورة ن، وكذلك سورة يس، أبو هريرة I قال: (كَانَ النَّبِيُّ H يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ)([6])، فسمى سورة السجدة: (الم تَنْزِيلُ) حتى يميزها عن غيرها، وابن عباس قال نفس الكلام: (كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ)([7]).
القول الثالث أنها هجاء موضوع؛ الصحابة والتابعون فهموا من تلك الحروف أن الله تَعَالَى افتتح بها القرآن، وأنها حروف هجاء افتتح الله بها القران كفواتح ليفتح أسماع السامعين. دليل أنها حروف هجاء أنها تنطق كاملة كحروف الهجاء، وأنها غير منونة؛ لأن الأصل في القرآن الوصل؛ أي آية آخرها مشكول وممكن وصلها بالآية التي تليها، حتى سورة الناس آخر حرف فيها مشكول؛ لإمكان وصلها بالفاتحة، في الحروف المقطعة؛ لا تنطق: ألفٌ لامٌ ميمٌ بالتنوين، وإنما تنطق بالسكون على غير عادة العرب، فعادة العرب في كلامهم تشكيل الكلمات بحركات مناسبة على حسب الإعراب وليس التسكين، لكن الله أراد هذه الحروف بهذا النطق حتى تكون حروف هجاء، حتى الحروف المنتهية بالهمزة لا تنطق الهمزة فيها على طريقة التهجي أيضًا.
هذا النطق بغير تنوين وبحذف الهمزة في الحروف التي تنتهي بالهمزة؛ دلنا دلالة واضحة على أنها حروف هجاء افتتح الله تَعَالَى بها القرآن، فهذا الهجاء فيه فتح لأسماع العرب، وفي نفس الوقت فيه تَحَدٍّ للعرب بهذا القرآن الذي هو معجزة النبي O الكبرى والمعجزة الأساسية، فربنا يفتح سورًا كثيرة من القرآن بالحروف المقطعة؛ ليقول لهم: إنه من جنس ما تتكلمون به. تذكرون المثل الذي ضربناه في سورة الرعد: لو أن رجلًا مهندسًا صنع آلة من الآلات، وأراد أن يتحدي الناس، فجاءهم يتكلم عن آلته، وأمامه حديد ونحاس وفايبر وبلاستيك ورصاص إلى آخره من المواد، وقال لهم في افتتاح الكلام: حديد، نحاس، رصاص مما عندكم، فاصنعوا مثلما صنعت؛ فكذلك تحدي الله للعرب بالقرآن المؤلف من هذه الحروف؛ (فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٢٣ فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ وَلَن تَفۡعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ) [البقرة:24:23].
(تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ ٢) [لقمان:2].
يعني: الآيات التي ستتلى عليك في هذه السورة، وفي القرآن عمومًا. (تِلۡكَ): اسم اشارة للبعيد، البُعد هنا بُعد مكانة، بُعد رفعة وسمو، بارتفاع مكانته لسموه وعلوه عن بقية الكتب، فالإشارة بالبعيد مقصود منها التعظيم، أنها عالية المكانة في رفعة وسمو.
(ٱلۡحَكِيمِ)؛ لها معنيان: ذو الحكمة، والمُحْكَم، هنا فعيل بمعنى مُفْعَل، سبق وقلنا: فعيل تأتي بمعنى فاعل، وبمعنى مفعول، هنا أتت بمعنى مُفْعَل، فالقرآن -آيات الكتاب- حكيم؛ أي: ذو حكمة، وهذا مراد قوي في سورة لقمان؛ (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ) [لقمان:13]؛ ناسب ذلك ابتداء السورة بقوله تَعَالَى: (تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ)؛ لأن السورة ستتكلم عن الحكمة؛ حكمة الله تَعَالَى، والحكمة التي آتى مَن شاء من عباده.
وحكيم أيضا بمعنى مُحْكَم؛ يعني: (لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ) [فصلت:42]، (كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ) [هود:1]، الحكمة أصلها في لغة العرب: المنع من الطيش والفساد، كل من منعته من شيء فقد حكَّمته وأحكمته، أتت من حَكَمَة الدابة التي تمنع الدابة من كثير من الطيش، فالحَكَمَة هي الجزء المحيط بالفم في لجام الدابة، تأخذ بناصيتها أو بوجهها تمنعها من التلفت يمينا وشمالا، قال إبراهيم النخعي: "حَكِّمِ الْيَتِيمَ كَمَا تُحَكِّمُ وَلَدَكَ"، يعني: إذا كان عندك يتيم في بيتك -وهذه سنة مهجورة للأسف- حكِّمه؛ يعني: أدبه وامنعه من الباطل كما تحكِّم ولدك، فلا تهمل فيه، حكم اليتيم؛ أي: امنعه من الطيش والجهالة والأخلاق السيئة كما تحكم ولدك.
سيدنا عبدالله بن عباس في تفسير قوله تَعَالَى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ) [النساء:19]؛ من لطيف أقواله I أن قال: فكانوا يرثون النساء، فأحكم الله عن ذلك ونهى عنه([8])، أحكم أي: منع؛ يعني: نهى. فالحكمة مشتقة من المنع أصلًا، أن تمنع من السفه، تمنع من الطيش، تمنع من الجهالة، تمنع من الباطل، فالحكيم الذي يتصرف تصرفًا خاليًا من الطيش أو عاقبة سوء، وإنما تصرفاته حكيمة.
والحكم -كما قلنا في سورة الرعد- (وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيّٗاۚ) [الرعد:37]، يأتي بمعنى الحكمة تماما في لغة العرب؛ (وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحُكۡمَ صَبِيّٗا) [مريم:12]، يعني: الحكمة، (وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيّٗاۚ) [الرعد:37]، قلنا في تفسيرها: حكمة؛ أنزلناه حكمة وأنزلناه عربيًّا، من ذلك الحديث المروي عن النبي O: (إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حُكْمًا)([9])، ورواية البخاري: (إِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً)([10])، (وَإِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حُكْمًا)؛ يعني: حكمة، قال جرير:
أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ |
|
إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ أَنْ أَغْضَبَا |
فالقرآن نزل بالحكمة، نزل بالمنع عن السفه والطيش والجهالة، لما يمنعك عن شيء تعرف أنها جهالات وسفه وفساد في الأرض، ولما يأمر بشيء فهو:
(هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّلۡمُحۡسِنِينَ ٣) [لقمان:3].
فالقرآن جاء بالهدى، وجاء بالرحمة. الهدى: هو الدلالة على الخير بلطف، كانوا يسمون المقدمات من الوحوش هوادي الوحش، قطيع البقر أو الجاموس الوحشي تجد في مقدمته ثور أو اثنين أو أكثر يقودون القطيع، والباقي تبع لهم، هؤلاء هم هوادي الوحش، يدلون بقية الوحوش إلى الطريق، فالهدى هو الدلالة على الخير والحق بلطف، أما قوله تَعَالَى: (فَٱهۡدُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡجَحِيمِ) [الصافات:23]؛ فهذا من باب التهكم بالمشركين، مثل قوله تَعَالَى: (فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران:21]؛ البشارة هنا تهكم.
فالقرآن نزل هدى؛ يعني: هاديًا إلى الخير، هاديًا إلى الحق، فالقرآن هنا موصوف بالحكمة؛ المنع من الفساد والطيش والجهالة، وموصوف بالهدى؛ أنه يدل الناس على الخير والحق، وموصوف بالرحمة؛ (هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّلۡمُحۡسِنِينَ)، القرآن نزل رحمة؛ أي: أن أوامره تؤول إلى الرحمة، فمن يتبع تلك الأوامر وتلك الآيات التي أُنزلت في القرآن يصيب الحكمة، ويصيب الهدى، ويصيب الرحمة، فلا تظن أنك إن اتبعت القرآن سيصيبك العنت والمشقة في الدنيا لتجد الرحمة في الآخرة، لا؛ بل تجد الرحمة في الدنيا، وسيرك على هدى القرآن رحمة لك في الدنيا والآخرة.
فقد يظن الظان مثلًا الذي جمع أموالًا وتعب فيها ثم أتاه الجُباة يأخذون منه الزكاة؛ أن هذا عنت ومشقة، نقول له: لا؛ في ذلك رحمة بالمجتمع، هؤلاء الفقراء بدلًا من أن يتحولوا لمجرمين في المجتمع ويعود إجرامهم عليك أنت، وحينئذ تقول: ليتني أعطيتهم ليمتنعوا عن الفساد، فيؤول الأمر في النهاية إلى رحمة بالمجتمع كله، بالمعطي والآخذ.
ولا تظن مثلًا أن القصاص فيه عنت ومشقة، صحيح فيه عذاب على من يُقتص منه لكن مآل ذلك القصاص في النهاية إلى الرحمة ببقية المجتمع، أما لو تركنا هذا الفاسد لكثر الفاسدون؛ (وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ) [البقرة:179]، حتى ما قال الله فيه: (وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ) [النور:2]؛ مآله إلى الرحمة؛ ألا تنتشر الفواحش في المجتمع، ويأمن الناس على أعراضهم، فيؤول الأمر إلى الرحمة.
فرض الجهاد على المسلمين مثلًا؛ قد يظن الظان؛ (كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ) [البقرة:216]؛ أي رحمة في الجهاد؛ يُعقر الجواد ويهراق الدم؟ فإذا هو رحمة للعالمين؛ لأن المسلمين لو سادوا الدنيا؛ حكموها بالعدل، وأنصفوا المظلوم، وقل في الدنيا كلها سفك الدماء، ولو حكم غيرهم أفسد في الأرض، وسفك الدماء، وأكل أموال الناس بالباطل، تأمل مثلًا الفتوحات الإسلامية على مر السنين، الشعوب استفادت من تلك الفتوحات؛ عدل وإنصاف، وثروات هذه الشعوب عادت إليها، نعم؛ المسلمون أخذوا جزية، وغنموا غنيمة المحاربين، لكن في النهاية ثروات الشعوب عادت إليهم، شعب مصر مثلًا لما فتحت مصر بالإسلام؛ ثروات مصر عادت إلى أهل مصر لا إلى الفاتحين.
بخلاف غير المسلمين لو تمكنوا، الأمريكان مثلًا تذرعوا بالنصرانية وقتلوا أمة الهنود الحمر كاملة، من غير أن يدعوهم إلى النصرانية، إذا كانت النصرانية عندك هي الدين الحق؛ بدلًا من أن تقول: إنهم غير نصارى، وتحكم عليهم بالقتل؛ ادعهم للنصرانية، لكن قتلوا ملايين الناس بدم بارد ونهبوا ثرواتهم، فالجهاد الذي فُرض على المسلمين رحمة للدنيا كلها؛ لأن المسلمين إذا حكموا؛ أمرهم الله تَعَالَى أن يحكموا بالعدل، وألا يسفكوا الدماء إلا ما كان لضرورة، أو نفس بنفس، أو أناس وقفوا في طريق نشر الدعوة وبيان الإسلام للناس، لذلك لو جمعت القتلى في حروب المسلمين تجدهم قلة، ولو نظرت إلى عدد القتلى في حروب الكافرين تجد الدموية والإرهاب الحقيقي وسفك الدماء والفساد في الأرض؛ لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله، بخلاف المسلمين؛ (ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ
كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76].
(لِّلۡمُحۡسِنِينَ): فمن أراد أن يكون محسنًا في دينه؛ (وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينٗا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [النساء:125]؛ يُسلم وجهه لله، فالإسلام هو الإحسان؛ لأنه إسلام الوجه لواحد هو الله، فالإحسان إلى نفسك أن تُسلم وجهك لله. فهذا القرآن نزل هدى ورحمة وحكمة لمن أراد أن يكون من المحسنين، محسنًا إلى نفسه، ومحسنًا إلى الخلق.
فهذا القرآن لن يكون هدى ولا رحمة للمسيء، الذي يسيء إلى نفسه، يسيء إلى الخلق، الذي يأكل أموال الناس بالباطل، الذي يأكل الربا، الذي يريد السيادة على الناس بغير حق، الذي يتكبر، الذي يخالف الحكمة، فالقرآن لن يكون هدى له، لكن من يوافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها من معرفة الخير والشر؛ فيتبع سبيل الخير، ربنا فطر الناس على محبة الصدق والأمانة وأداء الحقوق وإنصاف المظلوم، هذه فطر في الناس، من يتبع هذا الإحسان سيكون القرآن هدى ورحمة له، وأما المسيء فلن يُلقي السمع إلى القرآن، أول ما يسمع القرآن يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى يعرض، فلن يكون القرآن هدى له.
لطيفة: (هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّلۡمُحۡسِنِينَ) ؛ قرأها حمزة: (هُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُحۡسِنِينَ)؛ بضم تاء رحمة.
(ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤) [لقمان:4].
فالقرآن يورث هؤلاء المحسنين تلك الصفات؛ إقام الصلاة؛ حق الله تَعَالَى الأعظم بعد التوحيد، وإيتاء الزكاة؛ حق الناس في الأموال، واليقين بالآخرة؛ أنه يعلو بنظره إلى الأسمى، إلى الأعلى، إلى الآخرة، لن ينظر تحت قدميه، لا يعيش ليتمتع بمتع الحياة الدنيا ويقول: وما قيمة الحياة؟ لا؛ القرآن يهدينا أن هناك قيمة عظيمة لهذه الحياة؛ (وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ) [الذاريات:56]، (ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ) [الملك:2]، بدون هذه القيمة فالحياة ليست لها قيمة، إذا لم تكن هذه قيمة الحياة فالحياة لا قيمة لها، إذا كانت تنتهي بالموت، وكما يقولون: أرحام تدفع وأرض تبلع؛ فما قيمة هذه الحياة؟
(وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ)؛ نظر هؤلاء المحسنين إلى الدار الآخرة، يعلمون أن الحكيم لم يخلق الخلق عبثًا، تَعَالَى الله الملك الحق، فلأجل أنه الملك الحق خلق الخلق بالحكمة، ليس بالباطل، لذلك المؤمنون يتفكرون في خلق السماوات والأرض يقولون: (رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ) [آل عمران:191]، أكيد توجد حكمة، والحكمة أن هذه دار بلاء وأن هناك آخرة للجزاء.
وهؤلاء المؤمنون المحسنون الذين أرادوا أن يحسنوا إلى أنفسهم وإلى الخلق؛ يهديهم القرآن إلى اليقين بالآخرة، إلى تعلق القلوب بالآخرة، إلى تقليل التعلق بالحياة الدنيا؛ (فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:38]، على ما فاتهم من الدنيا؛ لأنهم يعلمون أنه قليل، (ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ) [البقرة:156]، وإذا أصابتهم النعمة لم ينسوا شكر الله تَعَالَى، ولم يكونوا من الفرحين المتكبرين في الأرض، وكان نظرهم إلى الآخرة، وكان عملهم للآخرة، فهؤلاء (يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ).
النبي O قال: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ)([11])، وعد إقام الصلاة وإيتاء الزكاة من أركان الإسلام، وبين في السنة أن الصلاة صلة بين العبد وربه، وأداء لحق الله تَعَالَى، حق الوقت؛ كلما أمدك في العمر، عشت من الظهر للعصر؛ تصلي الظهر، عشت من العصر للمغرب؛ تصلي العصر، كلما أمدك بالعمر فإن أقل الشكر أن تصلي له في كل وقت.
والزكاة أقل حق للفقراء في المال، لذا فرضه الله على الأغنياء، هؤلاء الناس الذين بصرهم الله بوجوه المكاسب ووسع لهم في الأرزاق؛ عليهم حق للفقراء، حق معلوم لابد أن يخرج، من منع هذا الحق قال فيه النبي O: ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مُثِّلَ له يوم القيامة شجاعًا أقرع -نوع من الثعابين- يفِرُّ منه وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه. قال عبد الله بن مسعود: ثم قرأ علينا رسول الله H: (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ) [آل عمران:180]([12])؛ كما حضنتني في الدنيا وقلت: كنزي؛ يأتي لك في الآخرة يقول لك: أنا كنزك وأنت اليوم فى حضانتى، لكن شجاع أقرع؛ لأنك لم تؤدِّ حق المال في الزكاة.
والله تَعَالَى من رحمته أنه ما جعل الإسلام اشتراكية، وإنما خلق الأغنياء وخلق الفقراء، وللجميع الحق في الحياة، يأكلون ويشربون ويتداوون ويسكنون، لكن الفقير فقير والغني غني، حتى تستقيم حياة الناس؛ (نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ) [الزخرف:32]، (وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ) [النحل:71].
للفقير حق في المال لابد أن يخرج وأن يؤتى، والصلاة حق الله تَعَالَى الذي قال فيه النبي O: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ)([13])، وقال O: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)([14])، وعن أبي هريرة I أن أعرابيًّا أتى النبي H فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، قال: والله لا أزيد على هذا([15])، فالنبي O زكى عمله إن صدق، يعني: إن صدق وأدى تلك الفرائض؛ فإنه من أهل النجاة ومن أهل الجنة.
(وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ)؛ هنا ترتيبات لغوية في هذه الجملة، الترتيب المعتاد: ويوقنون بالآخرة، لكن الله قَدَّمَ الجار والمجرور على متعلقه؛ (وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ)؛ كلمة (هم) ضمير الشأن الذي يبنى عليه؛ ليقول لك اللهD: إن هؤلاء يوقنون بالآخرة وغيرهم نظرهم إلى الدنيا، هؤلاء عندهم يقين وغيرهم في حيرة وشك واضطراب، يعني: هم أهل الآخرة وغيرهم غير فائز؛ لأنه لما لم ينظر إلى الآخرة وكان نظره إلى الدنيا خسر، (يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ) [الروم:7].
(وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ)؛ أورثهم القرآن يقينا فاطمأنت قلوبهم بالقرآن، بذكر الله، وأما غيرهم فليسوا من أهل اليقين، مَنْ طلب الهدى في غير القرآن أضله الله، كان في حيرة، كان في شك، كان في اضطراب من أمره؛ لأجل ذلك قال الله تَعَالَى:
(أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥) [لقمان:5].
(أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ)؛ قالوا: الحرف (على) يدل على التمكن والاستعلاء، فهؤلاء على هدى؛ أي: تمكنوا من طريق الهدى، وهذا الهدى من ربهم، ولا يكون الهدى إلا من الله تَعَالَى، وقال تَعَالَى: (هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ)، ولم يقل: (من الله)؛ لأن الرب هو الذي يصلح شؤون عباده، يصلح شؤون مملكته، فهو الذي هداهم بربوبيته لهم.
(وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ)؛ فهؤلاء أهل الفلاح، وغيرهم أهل الخسار، المفلح هو الذي نال المطلوب، الذي فاز، اشتق من فلح إذا شق، قالوا: الحديد بالحديد يُفْلَحُ؛ يعني: لا يُشَقُّ الحديد إلا بالحديد، وحِراثة الأرض سموها فِلاحة، وسموا الأَكَّارَ فَلَّاحًا، يقولون: فلحت الأرض إذا شققتها، وفي رِجْلِ فلانٍ فُلُوحٌ؛ شُقُوقٌ، ورَجُلٌ أَفْلَحُ؛ إذا كان مشقوقَ الشَّفَةِ السفلى.
فالفالح ظفر بالمطلوب، انفتحت له وجوه الظفر، والله من سنته أنه خلق الدنيا في ستة أيام فلا فلاح بالساهل، ولكن تسعى في الدنيا وتأخذ بالأسباب، فلابد أن تشق الأرض لينبت النبات، نعم؛ هو ينبت بقدرة الله، وأنت ليس لك سلطان عليه، لكن أنت يجب أن تأخذ بالأسباب، فالمفلح هو الذي اجتهد حتى انفتحت له وجوه النجاح والظفر بما طلب.
وَصَلِّ اللَّهُمَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
سُورَةُ لُقۡمَانَ - المجلس الثاني
6 من المحرم 1446 هـ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين H، أما بعد؛ فهذا هو المجلس الثاني في تفسير سورة لقمان، وقد وقفنا عند قول الله تَعَالَى:
(وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ ٦) [لقمان:6].
بعدما ذكر الله تَعَالَى المحسنين الذين اهتدوا بالقرآن، واتبعوا سبيل الهدى والرحمة والحكمة؛ ذكر الله تَعَالَى من هم ضد هؤلاء: (مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ)؛ الشراء هنا ليس بالمال، الشراء هنا معناه أنه يدفع جزءًا من حياته ثمنًا لهذه السلعة؛ لأن الثمن قد يكون شيئًا غير المال، فليس كل صفقة بيع وشراء الثمن فيها مال، فهذا المشتري الذي اشترى لهو الحديث باع دينه أو باع جزءًا من حياته؛ قال الله D في أهل الضلال: (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ) [البقرة:16]، وقال في أهل النار: (خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ) [الأنعام:12]، والنبي O قال: (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو؛ فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا)([16]).
هذا حتى لا يظن ظان أنه طالما لا يشتري الضلال بالمال فهو حلال، نقول له: لا؛ (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ هنا أنت اشتريت بما هو أغلى من المال؛ بحياتك ووقتك، فأكثر ما تسلط عليه كلام السلف أنه باع وقته، باع عمره، باع جزءًا كبيرًا من حياته، كان ينبغي أن يصرف هذا العمر وهذا الجزء من الحياة في طاعة الله، في عبادة الله، فصرفه هو في لهو الحديث، فكان مشتريًا بأغلى شيء؛ لأن أغلى ما يملكه الإنسان عمره، اشترى بأغلى شيء يملكه لهو الحديث.
(وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ)؛ قال قتادة: "وَاللَّهِ لَعَلَّهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ فِيهِ مَالًا، وَلَكِنِ اشْتِرَاؤُهُ اسْتِحْبَابُهُ، بِحَسْبِ المَرْءِ مِنَ الضَّلَالَةِ أَنْ يَخْتَارَ حَدِيثَ الْبَاطِلِ عَلَى حَدِيثِ الْحَقِّ، وَمَا يَضُرُّ عَلَى مَا يَنْفَعُ"([17])، فبدلًا من أن يبذل وقته في تعلم أحكام الله تَعَالَى، في تعلم القرآن، في تعلم حديث الحق؛ بذله في حديث الباطل، فبحسبه من الضلالة على قول قتادة أن يختار ما يضر على ما ينفع.
الفرق بين اللهو واللعب:
اللهو: ما يشتغل به الإنسان مما ترتاح إليه نفسه، ولا يتعب في الاشتغال به عقله. وأهم شيء راحة العقل، الإنسان يبحث عن اللهو لراحة عقله. لو كان هذا اللهو فيما يصد عن سبيل الله، فيما يلهي عن ذكر الله تَعَالَى؛ فهذا هو اللهو المذموم. أما اللعب: فعمل أو قول في خفة وسرعة وطيش، ليست له غاية مفيدة، وأكثره أعمال الصبيان. الميسر: لهو وليس لعبًا، الصيد لغير حاجة: لهو وليس لعبًا، الغناء: لهو وليس لعبًا، فكلُّ لعبٍ لهوٌ، وليس كلُّ لهوٍ لعبًا، اللهو لو شغل عن الحق، وكان فيه باطلًا أو حرامًا؛ يكون لهوًا محرمًا.
يشتري لهو الحديث ليضل عن الحديث الحكيم؛ القرآن الحكيم؛ (تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ) [لقمان:2]، اشتروا لهو الحديث؛ الذي ليس فيه حكمة، بل بالعكس؛ فيه فساد، فيه ضلال، فيه انشغال عن الحق.
أقوال الصحابة والتابعين في لهو الحديث:
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ)، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "الْغِنَاءُ وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ"، يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ([18]).
عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ قَالَ: "الْغِنَاءُ"([19]).
عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ فِي قَوْلِهِ: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ قَالَ: "هُوَ الْغِنَاءُ وَالِاسْتِمَاعُ لَهُ"([20]).
عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ؛ (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ قَالَ: "الْغِنَاءُ، وَالِاسْتِمَاعُ لَهُ، وَكُلُّ لَهْوٍ"([21]).
عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: "(لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ الْغِنَاءُ"([22]).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ فِي الْغِنَاءِ وَالمَزَامِيرِ"([23]).
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي (الْكُنَى) عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ فِي الْغِنَاءِ وَالطَّبْلِ وَالمَزَامِيرِ"([24]).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ: "الْغِنَاءُ رُقْيَةُ الزِّنَى"([25]).
قال ابن كثير -وهو من أئمة التفسير-: «لمَّا ذَكَّرَ تَعَالَى حَالَ السُّعَدَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَهْتَدُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَنْتَفِعُونَ بِسَمَاعِهِ؛ عَطَفَ بِذِكْرِ حَالِ الْأَشْقِيَاءِ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الِانْتِفَاعِ بِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ، وَأَقْبَلُوا عَلَى اسْتِمَاعِ المَزَامِيرِ وَالْغَنَاءِ بِالْأَلْحَانِ وَآلَاتِ الطَّرَبِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ قَالَ: "هُوَ -وَاللَّهِ- الْغِنَاءُ"»([26]).
قال البغوى: «وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ أَيْ: يَسْتَبْدِلُ وَيَخْتَارُ الْغِنَاءَ وَالمَزَامِيرَ وَالمَعَازِفَ عَلَى الْقُرْآنِ»([27]).
وأقوال الصحابة لم تقتصر فقط على الغناء، بل هناك روايات لأقوال أخرى:
عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ قَالَ: "الْغِنَاءُ وَأَشْبَاهُهُ"([28]).
عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ قَالَ: "هُوَ الْغِنَاءُ وَنَحْوُهُ"([29]).
عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ قَالَ: "الْغِنَاءُ مِنْهُ"([30]).
عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ؛ (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ قَالَ: "الْغِنَاءُ، وَالِاسْتِمَاعُ لَهُ، وَكُلُّ لَهْوٍ"([31]).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ قَالَ: "الْغَنَّاءُ وَالْبَاطِلُ"([32]).
الضَّحَّاكُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ): "يَعْنِي: الشِّرْكَ"([33]).
قال ابن جرير الطبري: «وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: عَنَى بِهِ كُلَّ مَا كَانَ مِنَ الْحَدِيثِ مُلْهِيًا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنِ اسْتِمَاعِهِ أَوْ رَسُولُهُ»([34]).
قاعدة فى التفسير:
تعلمون أن الآية أصلًا نزلت في أهل الشرك، لَكِنَّ الصحابةَ والتابعين فسروها بالغناء؛ لأنه في زمانهم بعد انتشار الإسلام وانتهاء مرحلة الجاهلية؛ كان أكثر ما يلهي الناس عن القرآن والذكر الحكيم فى زمانهم؛ الغناء، ففسروا الآية باللهو الموجود في زمانهم، يعني: هؤلاء لو كانوا في زماننا نحن لقالوا: الأفلام، والمسلسلات، والروايات المضلة، ومباريات كرة القدم؛ لأن هذا في زماننا هو الذي يلهي الناس عن الحق.
معنى هذا أن الصحابة من فهمهم العظيم للقرآن فسروا آيات نزلت في الشرك الأكبر بالمعاصي والشرك الأصغر والبدع، وهذه قاعدة من قواعد التفسير؛ أن الصحابة فسروا آيات نزلت في الكفر الأكبر والشرك الأكبر بالكفر الأصغر أو بالمعاصي أو بالبدع حتى صار هذا هو التفسير الشائع عن الصحابة والتابعين فى بعض آيات الشرك الأكبر والكفر الأكبر؛ لأن الصورة التي كانت في زمانهم تقتضي هذا التفسير، فسلطان الشرك انتهى، ففسروا الآيات بما يقتضيه زمانهم.
مثال: ابن عباس قال في قوله تَعَالَى: (يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ) [آل عمران:106]؛ قال: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة([35])، مع أن تكملة الآية: (فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ)، وسيدنا علي بن أبي طالب قال في قوله تَعَالَى: (قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا) [الكهف:103]؛ قال: نزلت في الخوارج([36])، وهو نفسه I كان لا يكفر الخوارج؛ مع أن تكملة الآية: (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَآئِهِۦ) [الكهف:105]، والآية نزلت في الكافرين، لكن مراد الصحابة أن يقولوا: هذه الآيات التي نزلت في الكافرين؛ من كان فيه صفة من صفاتهم، ولم تبلغ به هذه الصفة حد الكفر= فله نصيب من وعيد هذه الآية، وهذا فهم عظيم للقرآن.
بعض الخلف الذين لم يفهموا أقوال السلف يأتون بأقوال الصحابة في آية نزلت أصلًا في أهل الكفر، والصحابة فسروها بالكفر الأصغر، فإذا وقعت صورة توافق صور الشرك الأكبر يقول: لا؛ الصحابة قالوا: الآية في الكفر الأصغر، ويهملون كون الآية أصلًا نزلت في الكفر الأكبر، لكن الصورة التي كانت في زمان الصحابة كانت في الكفر الأصغر، فلَمَّا تَعُدْ الصورة مرة أخرى للكفر الأكبر؛ لأصل المعنى: يقول: لا؛ أنت خالفت فهم الصحابة، والعيب فيه؛ لأنه لا يفهم كيف كان الصحابة يفسرون القرآن. لا ريب أن فهم الصحابة هو الحق، وهو الصحيح، لكن على ما نَزَّلُوا الآية عليه، أما أن نأتي بصورة ثانية لم تكن على عهدهم، وصورة أصلًا الآية نزلت فيها، والآية أصلًا نزلت في الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر، ونقول: لا تنطبق على الشرك الأكبر= فهذا فهم خاطئ للقرآن.
لهو الحديث فى زماننا:
وضح الآن لماذا فسر الصحابة الآية بالغناء؟ لأن هذا اللهو الذي كان في زمانهم، الذي يصد عن سبيل الله في زمانهم هو الغناء، لكن نحن في زماننا يصد عن سبيل الله ويلهي عن سبيل الله؛ الروايات، الأفلام، المسلسلات التي تروج للأفكار الباطلة والعقائد الضالة، تروج لتعظيم الدنيا ونسيان الآخرة، مسلسل طويل لم نر فيه البطل يصلي صلاة واحدة، لم نره يفتقر إلى الله ويدعوه مرة واحدة، الموضوع كله دنيا، يعظمون الدنيا في قلوب الناس، وينسون الآخرة، القصة كلها قائمة على الدنيا، لا مجال لذكر الله ولا الدار الآخرة في قصة طويلة عريضة.
أيضًا هذه الأفلام والمسلسلات تروج للتهاون بالمعصية، مثلًا؛ الأصل في النساء أنهن متبرجات وهذا لا ينكر، عادة المجتمعات التى تظهر أمامك في الأفلام والمسلسلات؛ أن نساء هذه المجتمعات متبرجات، فلا يبقى في قلبك نكير لتبرج النساء وسفور النساء.
من ذلك أيضًا أنهم يصورون البطل على أنه مدخن، ويستخدم ألفاظًا خارجةً، وبلطجي، ولا يصلي، ولا يذكر الله؛ ترويج للتهاون بالمعصية، ومنها مسلسلات وأفلام ومسرحيات قامت على إشاعة سوء الأخلاق في المجتمع، منها مثلًا مدرسة المشاغبين، مسرحية هزلية قامت على الاستهزاء بالمدرس وتقليل قيمته، وثلاث ساعات يستهزئون بالمعلم والناظر والمدرسة والمدير إلى آخره، وآخر خمس دقائق؛ العيال عرفوا الصواب وتابوا، الذي انطبع في أذهان الناس الثلاث ساعات وليس الدقائق المعدودات، ما ورثه المجتمع من هؤلاء؛ الاستهزاء بالمدرسين، وأصبحت غاية كثير من الطلاب الشغب في المدارس، ويدافعون عن ذلك بأنهم يسردون عيوب المجتمع وسلبياته لعلاجها.
أما هدي القرآن العظيم لو حكى الباطل يحكيه مجملًا ويحكي الحق مفصلًا؛ حتى لا ينطبع الباطل في قلوب الناس، على عكس خبث ومكر وكيد هؤلاء، يقولون: هدفنا الإصلاح، كذبوا، لو كان هدفهم الإصلاح لفصَّلوا الحق وبيَّنوه خير بيان، ولجعلوا صاحب الحق هو البطل، لكن هدفهم الإفساد، فجعلوا البطولة في التمرد والتنمر وسوء الخلق. وكذلك من يصور البطل شاذًّا جنسيًّا، ومظلومًا، ونفسيته مرضت بسبب ظلم المجتمع له، وكان يجب على المجتمع أن يتحمله، إلى آخر هذه الشبهات، فالمقصود أنهم يفصلون الباطل ويزينونه للناس، فهذا داخل لا شك في لهو الحديث.
مسلسلات قامت على بث الشبهات على الإسلام، مثلًا؛ مسلسل (فاتن أمل حربي) رواية لإبراهيم عيسى، قائم على الطعن في ثوابت الشريعة، حتى أنه يلقي شبهات ليست موجودة أصلًا في الإسلام، فمثلًا؛ (فاتن) بطلة المسلسل تنكر على الشيخ: كيف للإسلام أن يحرم أُمًّا من أولادها؟ وهذا غير موجود في الإسلام أصلًا، حتى لو سقطت عنها الحضانة، لا يوجد في الإسلام تشريع يحرم الأم من أولادها أو صلتهم وزيارتهم وبرهم، ولا يعرضون إلا جهة نظر واحدة، بل المسلسل كله قائم على الطعن في أصول الشريعة، أنه لا يوجد شيء اسمه سنة، فكانت لا ترضى إلا بدليل من القرآن.
والله تَعَالَى جعل طاعة رسوله H من طاعته، فقال F: (مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ) [النساء:80]، ثم قرن طاعته بطاعة رسوله H؛ قال تَعَالَى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ) [النساء:59]، بل حذر الله D من مخالفة رسوله H، وتوعد من عصاه بالخلود في النار؛ قال تَعَالَى: (فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63]، وجعل الله تَعَالَى طاعة رسوله H من لوازم الإيمان، ومخالفته من علامات النفاق؛ قال تَعَالَى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا) [النساء:65].
وأمر E عباده بالاستجابة لله والرسول؛ قال تَعَالَى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ) [الأنفال:24]، ثم أمرهم سبحانه برَدِّ ما تنازعوا فيه إليه، وذلك عند الاختلاف؛ قال تَعَالَى: (فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا) [النساء:59]، هذه بعض أدلة من القرآن على حُجِّيَّة السُّنَّة النبوية المطهرة.
أما بطلة المسلسل كانت تشترط؛ أريد دليلًا من القرآن، ولا ترضى بحُجِّيَّة أدلة السُّنَّة، وهي بذلك لا تطعن في السُّنَّة فقط، بل تطعن أيضًا في القرآن العظيم الذي حث وشدد على اتباع السُّنَّة. وطبعًا الموسيقى الحزينة والشخصية المظلومة كل هذا لا شك يؤثر في قلوب الناس، فهذا أيضًا من لهو الحديث بلا شك، بل هذا ينطبق عليه بحق: (لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ).
ومن ذلك أيضا الأغاني، الناظر فيها يجد أن جلها قائم على فكرة الأفلام العربية، جل الأغاني تتحدث عن العشق والحب وقيمة المرأة أو قيمة الرجل لو المغنية امرأة، صحيح قد يتعلق الرجل بامرأة تعلقًا مباحًا؛ زوجة أو زوجتين أو أربع، أو يتعلق بأمه أو أخته، لكن هذا جزء من الحياة، والله أمر بالإحسان إلى المرأة، وأتى الإسلام بالحب كما سيأتي، لكن ليس هو أساس الحياة، لكن الغناء صَوَّرَ هذا الحب -وأكثره عشق محرم- على أنه أساس الحياة ولا حياة بدونه، والحق أن قيمة الحياة وأساسها في عبودية الله ومحبته ورضاه.
ونوع ثانٍ من الأغاني وهو الأغاني الوطنية، التي تصور لك الوطن أنه الرب والإله، هذه ليست مبالغة، تصور الوطن على أنه صاحب النعمة التي تنعم أنت فيها، تعيش على أرضه، وترتوي من نهره، وسماؤه هي التي تظلك، يعني: الوطن هو صاحب الفضل عليك، الذي أنزل لكم من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم، هذا معنى كلامهم في أغانيهم الوطنية.
النوع الثالث من الأغاني وهو أغاني المظلومية، وأنه مظلوم مقهور طول حياته، والحقيقة أنه ينكر نعم الله عليه في كل شيء، جحود لنعم الله، والله تَعَالَى يقول: (وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ) [الضحى:11]، وهم يتلذذون بذكر المصائب والابتلاءات التي أصابتهم.
إقرار الإسلام للحب:
وإن كنا ننكر الأغاني وما فيها من تعظيم للحب؛ فليس هذا معناه أن الإسلام لم يقر حب الرجل للمرأة وحب المرأة للرجل، فالإسلام من ناحية الحب لم ينكره؛ لأن كثيرًا من العلمانيين يلقون هذه الشبهة في مواقع شبهاتهم، أن الإسلام لم يأتِ بالحب، وجعل العلاقة بين الرجل والمرأة جامدة، نقول: لا؛ ربنا قال في آية الزواج: (وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ) [الروم:21]، وقال: (فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ) [النساء:19]، و(إن) تدل على التقليل، أي: أن الكره قليل؛ لأنه خلاف الأصل، فالأصل المحبة والمودة، (فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا)، أقر الله تَعَالَى أيضًا هذه العاطفة في قوله: (عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ) [البقرة:235]، في آية المتوفى عنها زوجها، لمن دفعه حبه لها أن يخطبها، فهذا إقرار للحب، ولكن تلتزم بالحدود الشرعية؛ التعريض بالخطبة جائز، لكن التصريح بها لا يجوز.
وعندنا حديث في المراسيل عن النبي O: (لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ)([37])، وعندنا حديث بَرِيرَةَ صريح في هذه المسألة، كانت أَمَةً متزوجةً من مغيث وكان عبدًا، ثم عتقت بَرِيرَةَ وأصبحت حرة، (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ H لِعبَّاسٍ: يَا عَبَّاسُ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ H: لَوْ رَاجَعْتِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ)([38])، النبي O أقر حبه لها لدرجة أنه شفع له عندها، رسول هذه الأمة يشفع وينزل نفسه مقام الشافع عند امرأة كانت أَمَةً من أجل محبة عبد.
ومن الأحاديث الجميلة فى هذا المقام الحديث المتفق عليه في الصحيحين؛ (عَنْ عَائِشَةَ J قَالَتْ: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ H، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا).
خديجة ماتت من سنين مرت، والنبي O يحتفظ بحبها إلى هذا الحد، استأذنت هالة والنبي O لمَّا سمع صوتها وطريقة الاستئذان ذَكَّرَهُ ذلك بخديجة، تقول عائشة: (فَارْتَاعَ لِذَلِكَ)؛ يعني: تغيَّر تغيُّرَ من ذكر حبيبه O، فقال: (اللَّهُمَّ هَالَةَ)، تمنى أن تكون التي على الباب هالة؛ حتى يرى شيئًا يذكره O بخديجة J، قالت عائشة: (فَغِرْتُ)، غارت من امرأة ماتت، قالت عائشة: (فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا)، (حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ)؛ تعني: من كبر سنها وقعت أسنانها، وخارج الصحيحين روايات أن النبي O ذكر من فضل خديجة ما ذكر، لكن هذه رواية الصحيحين، المقصود أن النبي O وهو نبي هذه الأمة وخير هذه الأمة؛ يحب خديجة J إلى هذا الحد أنه لمجرد ذكر خديجة أمامه وتذكره لها يرتاع H لذلك، ولما سئل: من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قيل: فمن الرجال؟ قال: أبوها([39]).
أما الحب الذي هو العشق، وانشغال القلب، وسهر الليالي، وبذل الدنيا، وضياع الدين من أجل المحبوب؛ لم يأتِ به الإسلام، الإسلام جاء بحب منضبط، أما الحب الذي تصوره الأفلام والمسلسلات والأغاني لا نقره؛ لأنه باطل.
الفرق بين الوطنية الباطلة والوطنية الحقة:
الأغاني الوطنية صورت الوطن أنه صاحب نعمة وفضل، وصاحب حق وواجب؛ يعني: نحيا ونموت في سبيل الوطن، صحيح أن الإسلام جاء بحب الأوطان، لكن الغلو والوصول إلى هذا الحد ينهى عنه الإسلام، الوطنية الموجودة حاليا ينهى عنها الإسلام، الإسلام أقر حب الوطن؛ لأنه حب فطري، غريزة في الإنسان، لا تلام عليه، كل إنسان يحب وطنه والأرض التي نشأ عليها، وعندنا حديث النبي H؛ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنْ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ)([40]).
لاحظ أن الرسول O يقول عن مكة: إنها خير أرض الله، وأحب أرض الله إليه؛ تبعًا لخيريتها عند الله وحب الله لها، وفضل مكة على سائر البلدان معلوم، ولو قلنا: حبه O لها لأنها وطنه؛ فلا مانع من اجتماع الحب الشرعي والحب الغريزي، ورغم ذلك لمَّا أخرجه أهل مكة منها خرج هو ومن معه فرارًا بالدين، ولم يقل O: أعيش في سبيل مكة وأموت في سبيل مكة، لكن باعتبار البلد الحرام بذل النفوس والأرواح دفاعًا عنها حتى من غير أهلها من أهل الإسلام، لكن الوطنية بصورة أن كل إنسان ينتمي لوطنه، ويتعصب له، ويتحزب له، ويقدس حدود هذا الوطن، حتى لو جيرانه من المسلمين ألمت بهم مصيبة أو اعتداء نقول لهم: لكم وطنكم ولي وطني، تدافعون أنتم عن أرضكم ودفاعي فقط عن تراب وطني= فهذا تقصير عظيم ليس من الإسلام، أدى إليه مفهوم الوطنية الباطل.
المفهوم الحق أن حب الوطن حب فطري، والنبي O أقر هذا الحب، والصحابة M صرحوا بهذا الحب، والنبي O أقرهم؛ عند البخاري في الصحيح: (عَنْ عَائِشَةَ J قَالَتْ: لمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ H المَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ |
|
وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ |
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً |
|
بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ |
قَالَ: اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ؛ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ، قَالَتْ: وَقَدِمْنَا المَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ، قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلًا؛ تَعْنِي: مَاءً آجِنًا).
المدينة كانت وَبِئَةً، ومرض كثير من الصحابة لما هاجروا إليها، منهم أبو بكر وبلال L، أبو بكر لما كانت الحمى تشتد عليه كان يتسلى بهذا البيت: (كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ في أهْلِهِ)؛ يصبح في بيته وأهله وعياله، (وَالمَوْتُ أَدْنَى مِن شِرَاكِ نَعْلِهِ)؛ الإنسان يذكر الموت إذا نزل به المرض، أما بلال I فكان إذا أخذته الحمى وأفاق منها يقول:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً |
|
بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ |
هذا هو حب الوطن حقيقة، بلال يذكر مكة وجبال مكة وأسواق مكة، والنبي O لم ينكر عليه، بل العكس، أقره فيما يقول، رغم أنه أُخْرِجَ منها وعُذِّبَ من أهلها لكن لمَّا هاجر إلى المدينة قلبه اشتاق لبلده، فذكر مجنة وهي سوق في مكة، وشامة وطفيل من جبالها، فبلال كان يقول هذا الكلام ثم يدعو على المشركين يقول: (اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ؛ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ)، فالنبي O لمَّا بلغه هذا الكلام قال: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ)، فدعا للمدينة O.
ولما فتحت مكة بالإسلام لم تغلب هذه الوطنية على الصحابة الكرام، وما قالوا: نرجع لأوطاننا ونعود إلى الوطن، ولا قالوا: إن كل هذا الكفاح كان من أجل الوطن، لا؛ قال لهم رسول الله H: من يقضي النسك من أهل الهجرة -عمرةً أو حجًّا- لا يمكث في مكة أكثر من ثلاث([41])، حتى تعرف الفارق بين: في سبيل الله، وفي سبيل الوطن، مكة فتحت بالإسلام، فلو أن الوطنية مقدمة للبثوا فيها، في وطنهم، لا؛ المهاجر في سبيل الله وترك مكة الوطن لله، ومضطر للحج والعمرة في وطنه الأصلي يذهب للمناسك، وبعدها يتمتع بشامة وطفيل، والإذخر والجليل، لكن لا يزيد على ثلاثة أيام.
سيدنا سعد بن خولة لما مات قبل أن يخرج من مكة، وكان من المهاجرين؛ رثى له رسول الله H بؤسه([42])؛ لأنه مات في أرض الوطن، وتراب الوطن، ودفن في قبور الوطن، وكان الأحسن له أن يموت خارج البلاد التي هاجر منها في سبيل الله، حتى لو كانت هذه الأرض التي هاجرت منها؛ البلد الحرام أحب بلاد الله إلى الله.
فهذا مفهوم الوطنية الصحيح، تحب الوطن حب فطرة، لكن عند الانتماء ننتمي للإسلام، عند نسبة النعمة ننسب النعمة إلى الله المنعم، عند الجهاد والقتال نقاتل في سبيل الله، الدفاع عن الوطن لأنه أرض إسلام ولأجل حرمات المسلمين لا تنتهك، لا لأجل التراب والوطن لذاته، أما ما يتداوله الناس من حديث: (مَنْ مات دون وطنه فهو شهيد)؛ فهذا ليس حديثًا أصلًا، ثم هو وارد في الأعمال الفردية، والجهاد الأصل فيه أنه جماعي تحت راية ولي الأمر، سواء جهاد الدفع أو جهاد الطلب -إذا تيسر ذلك في جهاد الدفع-.
والحديث: من مات دون عرضه، من مات دون ماله، ولا يوجد فيه: من مات دون وطنه، كما هو مشهور، لأن الدفاع عن الوطن جهاد جماعي، ندافع عن الوطن في سبيل الله؛ لأنه وطن إسلام، يستوي في ذلك جميع أوطان المسلمين، تستوي مصر مع فلسطين مع الجزائر مع السعودية، أي بلد من بلاد الإسلام اعتدى عليها الكفار وجب على المسلمين الدفع عنها، لا تقل: أنا مصري أدافع عن مصر، لا؛ الإسلام لم يأت بهذا، فالدفع عن الوطن الإسلامي واجب؛ لأنه وطن إسلامي.
فمن لهو الحديث -لا شك- الأغاني الوطنية مثل الأغاني العاطفية بل أشد، ومعها أغاني المظلومية.
ومن لهو الحديث الذي ينبغي أن تفسر به الآية في زماننا أيضًا: مباريات كرة القدم، لعب كرة القدم الأصل فيه الحل، والمنافسة فيها أيضًا الأصل أنها حلال، لكن لما تصير كرة القدم فتنة للشباب، يضيعون فيها أوقاتهم ليلًا ونهارًا، وقت المباراة وتحليل للمباراة قبل وبعد، والإلهاء عن الذكر وعن الصلاة وعن صلة الأرحام، ويذوب الولاء والبراء فيشجع ويوالي المسلم اللاعب الفلاني من الكافرين، وتظهر المتبرجات في الاستادات، وتصوير بعض المباريات على أنها (موقعة)، وقد تكون بين بلدين مسلمين، فتعظيم الأمر إلى هذا الحد لهو.
واللهو أيضًا أن كثيرًا من الشباب ليس عنده ثقافة غير كرة القدم، يحفظ أسماء اللاعبين، وأنديتهم، وأسعارهم، وتسلسل انتقالاتهم بين الأندية، والجوائز التي حازوها، ويقارنون بينهم بحمية وتعصب، وأكثر هؤلاء اللاعبين من الكافرين أصلًا، فالأصل في كرة القدم أنها حلال، لكن تشجيع كرة القدم بالصورة الحالية لهو محرم، فضلًا عن الحكم الشرعي في المسابقة على مال؛ على غير الأشياء التي جاء في شريعة الإسلام حل التسابق على المال من أجلها.
فهذا مقصود تفسير الصحابة (لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ) بالغناء، إذا كان الإنسان من جسد وروح، وهذا الجسد يتغذى بالنبات واللحوم والماء؛ فالروح لها غذاء، وهذا الغذاء حديث، وخير الحديث كلام الله تَعَالَى، فغذاء الأرواح هو القرآن، فهؤلاء ناوؤا القرآن لكونه حديثًا بأحاديثهم، وأحاديثهم فيها لهو، فيها استرواح للنفوس، فيها عدم انشغال العقول، فيها ترويج للفكر الباطل.
الأصل أن هذه الآيات نزلت في المشركين، لمَّا قرأ النبي O القرآن على أهل مكة، والمشركون وجدوا الناس يفتنون بالقرآن –بزعمهم-، والقرآن أحسن الحديث، وفيه بلاغة، وفيه قصص من مثل قصص عاد وثمود، والقرآن يقص أحسن القصص على الناس، فبعثوا مناديب من عندهم إلى بلاد فارس والروم يأتون بقصصهم، قصص من مثل شهريار، واسفنديار، وبهرام، وقصص ألف ليلة وليلة، وبدأوا يبثون هذه القصص على أهل مكة ليصدوهم عن القرآن، وهذا هو نفس الغرض الذي من أجله صنعوا الأفلام والمسلسلات؛ لذلك ترى النشاط الإعلامي أكبر ما يكون في رمضان، شهر القرآن، شهر إقبال الناس على المصاحف، فيأتي شياطين الإنس بلهو الحديث ليصدوا عن القرآن، لهو الحديث من الأفلام، والمسلسلات، والفوازير، والمسابقات، إلى آخره.
أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي (شُعَبِ الْإِيمَانِ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ): "يَعْنِي: بَاطِلَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ، اشْتَرَى أَحَادِيثَ الْأَعَاجِمِ وَصَنِيعَهُمْ فِي دَهْرِهِمْ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكُتُبَ مِنَ الْحِيرَةِ وَالشَّامِ، وَيُكَذِّبُ بِالْقُرْآنِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ"([43]).
وَأَخْرَجَ جُوَيْبِرٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ)؛ قَالَ: "أُنْزِلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، اشْتَرَى قَيْنَةً، فَكَانَ لَا يَسْمَعُ بِأَحَدٍ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ إِلَّا انْطَلَقَ بِهِ إِلَى قَيْنَتِهِ، فَيَقُولُ: أَطْعِمِيهِ وَاسْقِيهِ وَغَنِّيهِ، هَذَا خَيْرٌ مِمَّا يَدْعُوكَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَأَنْ تُقَاتِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَنَزَلَتْ"([44]).
([1]) رواه مسلم من حديث أبي ذر.
([2]) رواه ابن جرير، وذكره ابن كثير وقال: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
([3]) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَد.
([4]) رواه ابن جرير.
([5]) رواه ابن جرير.
([6]) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
([7]) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
([8]) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ؛ (عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ)؛ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَرِثُ امْرَأَةَ ذِي قَرَابَتِهِ، فَيَعْضُلُهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَرُدَّ إِلَيْهِ صَدَاقَهَا، فَأَحْكَمَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ).
([9]) رواه أبو داود من حديث ابن عباس.
([10]) رواه البخاري من حديث أبي بن كعب.
([11]) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
([12]) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ؛ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ-، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلَا: (وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَيۡرٗا لَّهُمۖ بَلۡ هُوَ شَرّٞ لَّهُمۡۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ) [آل عمران:180]).
([13]) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
([14]) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
([15]) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ H فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ H: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا).
([16]) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ.
([17]) رواه ابن جرير.
([18]) رواه ابن جرير.
([19]) رواه ابن جرير.
([20]) رواه ابن جرير.
([21]) رواه ابن جرير.
([22]) رواه ابن جرير.
([23]) ذكره السيوطي في الدر المنثور.
([24]) ذكره السيوطي في الدر المنثور.
([25]) ذكره السيوطي في الدر المنثور.
([26]) تفسير ابن كثير.
([27]) تفسير البغوي.
([28]) رواه ابن جرير.
([29]) رواه ابن جرير.
([30]) رواه ابن جرير.
([31]) رواه ابن جرير.
([32]) ذكره السيوطي في الدر المنثور.
([33]) رواه ابن جرير.
([34]) تفسير الطبري.
([35]) وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاللَّالَكَائِيُّ فِي (السُّنَّةِ)، وَأَبُو نَصْرٍ فِي (الْإِبَانَةِ)، وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: "تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ"اهـ. ذكره السيوطي في الدر المنثور.
([36]) وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ المُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدُويَهْ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا)؛ قَالَ: "لَا أَظُنُّ إِلَّا أَنَّ الْخَوَارِجَ مِنْهُمْ"اهـ. ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ المَنْثُورِ. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْكَوَّاءِ عَلِيًّا عَنْ قَوْلِهِ: (قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا)؛ قَالَ: "أَنْتُمْ يَا أَهْلَ حَرُورَاءَ".
([37]) أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس.
([38]) رواه البخاري.
([39]) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ (عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ I أَنَّ النَّبِيَّ H بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، فَقُلْتُ: مِنْ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أَبُوهَا، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالًا).
([40]) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَهَذَا لَفْظُهُ.
([41]) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: (قَالَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: يُقِيمُ المُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا).
([42]) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ I، وَفِيهِ قَالَ H: (اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ)، قَالَ: رَثَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ H مِنْ أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ.
([43]) ذكره السيوطي في الدر المنثور.
([44]) ذكره السيوطي في الدر المنثور.